: تعاون بحثي بين مستشفى 57357 و مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، يسلط الضوء على دور الميتوكوندريا في مقاومة سرطان الثدي للعلاجات الكيماوية
يعد سرطان الثدي أكثر أنواع السرطان انتشارًا بين الإناث، حيث يصيب-بحسب تقارير منظمة الصحة العالمية- أكثر من 2 مليون سيدة حول العالم، ويمثل -في مصر- قرابة 35% من حالات السرطان المسجلة بين الإناث، و يؤدى إلى أكبر عدد من وفيات الإناث المرتبطة بالسرطان.
يبرز سرطان الثدي ثلاثي السالبية كأكثر أنواع سرطانات الثدي عدوانية، بمعدل نجاة كلي منخفض وقدرة عالية على الانتشار في الجسد، واحتمالية مرتفعة لعودة الورم بعد العلاج.
يتميز سرطان الثدي ثلاثي السالبية عن سواه من سرطانات الثدي، بغياب المستقبلات الهرمونية من على سطح خلاياه، وهو ما يجعله استهدافه بالعلاجات الهرمونية عملية غير فعالة.
ومن ناحية أخرى- وعلى خلاف ما يحدث في الخلايا الطبيعية- فإن ديناميكية التمثيل الغذائي ومسارات إنتاج الطاقة في خلايا الورم ثلاثي السالبية، تتميز بارتكازها على مسار لاهوائي لتحليل الجلوكوز، بينما تتجنب-جزئياً- مسار أكسدة الجلوكوز الذي يتم في عضي الميتوكوندريا، وهو ما يعرف مجملًا بـ”تأثير واربرج”.
في دراسة حديثة نشرت في 24 من سبتمر الجاري في دورية “Scientific Reports”، تمكن فريق بحثي من مؤسسة مستشفى سرطان الأطفال 57357 بالتعاون مع باحثين من مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، من إيضاح مرونة خلايا الورم ثلاثي السالبية، وكفاءتها العالية في مواجهة الإجهاد الخلوي.
ففي حال تم تعطيل مسار التحلل اللاهوائي للجلوكوز ، يمكنها تفعيل مسار أكسدة الجلوكوز في الميتوكوندريا كمسار بديل لإنتاج الطاقة، مع تنشيط أنزيمات إصلاح الحمض النووي DNA، وهو ما قد يفسر مقاومة المرض للعلاجات الكيماوية، ويبرز احتمالات جديدة لاستهداف الورم بعلاجات أكثر دقة، تقوم على تعطيل مصادر إنتاج الطاقة الأساسية و البديلة للورم.
ما بعد تأثير واربرج
ضمن مؤتمر لينداو للحائزين على جائزة نوبل عام 1966، علق عالم الكيمياء الألماني “أوتو واربرج” قائلًا: “جميع خلايا الجسم الطبيعية تلبي احتياجاتها من الطاقة عن طريق التنفس من الأكسجين ، في حين أن الخلايا السرطانية تلبي أغلب احتياجاتها من الطاقة من التخمر. وبالتالي فإن جميع خلايا الجسم الطبيعية هي هوائية إجباريًا ، في حين أن جميع الخلايا السرطانية هي -جزئيًا- لاهوائية”.
لخصت تلك الكلمات دراسة “واربرج” للتمثيل الغذائي في السرطان، وإنتاج-أغلب أنواعه- للطاقة عبر مسار لاهوائي رغم توفر الأكسجين، ليطلق على تلك الظاهرة فيما بعد اسم “تأثير واربرج”.
يشير “سامح علي”-وهو قائد المشروع البحثي الأخير ومدير معمل بيولوجيا الاورام بمستشفى 57357-أن فريقه قام بدراسة مقارنة للتمثيل الغذائي ومسارات إنتاج الطاقة في سلالتين خلويتين من سرطان الثدي، أحداهن هي ثلاثية السالبية – MDA-MB-231- بينما تمثل الأخرى أحد الأنواع الحاملة للمستقبلات الهرمونية- MCF7.
“بحثنا في البداية عن تأثير واربرج في كلا السلالتين” كما يوضح “علي”، لتؤكد النتائج الأولية أن الخلايا ثلاثية السالبية تعتمد على مسار التخمر اللاهوائي بمقدار أعلى نسبيًا من السلالة الأخرى، وعليه “تساءلنا: ما الذي قد يحدث إذا عملنا على خنق تلك الخلايا من خلال استهداف مسارها اللاهوائي لإنتاج الطاقة؟
ويضيف “كانت النتائج الأولية كما توقعنا”، حيث ماتت قرابة 70% من الخلايا ثلاثية السالبية خلال 4 ساعات الأولى، بينما كانت تأثر الخلايا المستجيبة للهرمونات أقل حدة، إلا أن المفاجئ قد ظهر بعد تركها لمدة زمنية أطول.
إعادة إحياء
يعرف مركب أسيتات الأيود بكونه مثبطًا فعالًا لمسار تحليل الجلوكوز اللاهوائي، ويتم ذلك عبر تثبيطه لإحدى الأنزيمات الهامة في ذلك المسار، وقد أوضحت دراسة نشرت دورية “نيتشر-Nature” عام 1966، إمكانية استخدامه لثبيط بعض الأورام، إلا أن قليلًا من الأبحاث عمدت على دراسته، وعليه سجل الباحثون في ورقتهم البحثية “بحثنا إمكانية إعادة إحياء ذلك المركب كعلاج موجه لبعض سرطانات الثدي”.
وفي حين كانت الخلايا ثلاثية السالبية أكثر حساسيًة لتأثير أسيتات الأيود في 4 ساعات الأولى، إلا أنه وبمضي 24 ساعة تحت تأثير ذلك التثبيط، ماتت أغلب الخلايا المستيجة للهرمونات، بينما قاومت خلايا الورم ثلاثية السالبية، و “كأنما قد أعيد إحياؤها” كما يشير “علي”.
ومن ناحيتها توضح “أسماء رضا”-وهي مدرس مساعد بمدينة زويل والباحث الأول في الدراسة-“قمنا بعد ذلك بدراسة كلا السلالتين على المستوى الخلوي والجزئيي ومستوى التمثيل الغذائي، بهدف تبيان سبب نجاة ثلاثية السالبية، رغم موت الأخرى”.
وأوضحت تلك الدراسة، ارتفاع نشاط الجينات المرتبطة بآليات الموت الخلوي المبرمج-Apoptosis، في سلالة ” MCF” المستجيبة للهرمونات، بينما لم تتأثر بشكل ملحوظ في السلالة الأخرى، ومن جانب آخر ارتفع نشاط أنزيم PARP-1″”الذي يعمل على إصلاح أعطاب الحمض النووى DNA- في الخلايا ثلاثية السالبية، بينما انخفض نشاطه في السلالة الأخرى.
ويوضح “علي”:”ساعدت كل تلك العوامل في نجاة الخلايا ثلاثية السالبية، وهنا يظهر الدور البارز للميتوكوندريا”، فجانب ارتباط تلك العوامل بها، أوضحت نتائج الدراسة أن خلايا الورم ثلاثي السالبية، تعمل على تنشيط عمليات الأكسدة في الميتوكوندريا-عند تثبيط التخمر- بكفاءة مرتفعة مقارنة بنظيرتها من السلالة الأخرى، وهو ما يضمن عدم حرمانها من مصدر مستمر للطاقة، وهو ما يمثل قبلة حياة أخيرة تزيد فرص نجاتها.
عدو دائم وصديق أحيانًا
تقدم عدة دراسات تفسيرات مختلفة لتأثير واربرج-اعتماد خلايا السرطان على التخمر-ومنها ارتباط نشاط الميتوكوندريا بجينات مثبطة للأورام، وبعملية موت الخلية المبرمج، بينما يرتبط التحلل اللاهوائي بمسارت بنائية تساعد خلايا السرطان على النمو والتكاثر.
ومنا هنا يوضح “علي”: الميتوكوندريا هي عدو للسرطان في أغلب الظروف، إلا أن قد تصبح صديقة بعض الأحيان، كما توضح دراستنا الأخيرة”.
و بناءً على نتائجهم يقترح الباحثون إمكانية تصميم علاجات أكثر فعالية في مواجهة السرطان ثلاثي السالبية من خلال استهداف الميتوكوندريا ضمن خليط من العلاجات، بهدف سلبه كل مصادر إنتاج الطاقة.
Journal refrence: Reda, A., Refaat, A., Abd-Rabou, A. A., Mahmoud, A. M., Adel, M., Sabet, S., & Ali, S. S. (2019). Role of mitochondria in rescuing glycolytically inhibited subpopulation of triple negative but not hormone-responsive breast cancer cells. Scientific reports, 9(1), 13748. https://doi.org/10.1038/s41598-019-50141-z